تظهر تحقيقات أجرتها "إيران إنترناشيونال" أنه بعد هزيمة النظام الإيراني أمام حملة المقاطعة واسعة النطاق، قام مقر الانتخابات ومجلس صيانة الدستور بمصادرة وإدارة عملية التصويت والإعلان عن النتائج.
وسبق أن بحثت "إيران إنترناشيونال" في تقارير منفصلة، تفاصيل التلاعب في العملية الانتخابية وهندستها، بما في ذلك استخدام وسائل الإعلام والأحزاب، فضلا عن تلفيق الأرقام والإحصائيات.
ومع انتهاء عملية التصويت، التي تمت بإجراءات غير عادية، نفذت سلطات النظام الإيراني عملية فرز الأصوات وإعلانها بطريقة غير شفافة ومتناقضة.
لكن نتائج هذه العملية المهندسة وغير الشفافة لها أبعاد كبيرة، وتشير إلى تشكيل برلمان صوري يعتمد نوابه على أقل عدد من الأصوات.
الإحصائيات الإجمالية غير كاملة ومتناقضة
لقد كان فرز الأصوات وإعلانها هو المرحلة الأخيرة من الانتخابات المهندسة، والتي كان من المتوقع أن تكون أسرع قليلاً وأكثر دقة مع التقنيات الجديدة والموارد البشرية المستخدمة فيها، لكنها لم تكن كذلك.
ومنذ انتهاء التصويت منتصف مساء الجمعة 1 مارس (آذار)، وبعد عدة تمديدات غير مبررة، رغم عدم وجود ناخبين، كانت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني هي التي أعلنت نسبة المشاركة، وإجمالي الأصوات بدلاً من المؤسسات الرسمية.
ومن خلال دراسة الدورات الانتخابية السابقة والأخذ في الاعتبار تدخلات المؤسسات العسكرية، يمكننا أن ندرك أن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.
وبحسب الإعلان الرسمي الصادر عن المسؤولين الحكوميين، فقد جرت عملية التصويت باستخدام شبكة الإنترنت الوطنية والكمبيوتر.
في هذه العملية، تم استخدام الرقم الوطني للناخبين من قبل نظام الكمبيوتر "للتحقق من هويتهم". ويعني ذلك أنه بمجرد انتهاء التصويت، يمكن لمسؤولي مقر الانتخابات الإعلان عن إجمالي الأصوات التي تم الحصول عليها والإحصائيات المنفصلة للمحافظات من خلال الرجوع إلى الإحصائيات المسجلة، لكنهم لم يفعلوا ذلك.
وبدأ مسؤولو مقرات الانتخابات على المستوى الوطني والمحافظات في نشر نتائج الانتخابات بشكل تدريجي وغير شفاف، كما تم نشر الجدول الأول لإحصائيات المشاركة في المحافظات بشكل غير كامل عبر وكالات الأنباء الحكومية بعد يومين.
وكانت وكالة أنباء "فارس"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، أول مؤسسة تابعة للنظام تعلن مشاركة 25 مليون مواطن، وذكرت أن إجمالي عدد الأصوات التي تم الحصول عليها بلغ حوالي 42 في المائة.
ومع مرور الوقت، تغيرت الإحصائيات التي أعلنتها وكالة أنباء "إيرنا" الرسمية، إلى نحو 41 في المائة.
وفي اليوم الثاني بعد انتهاء عملية التصويت، لم يعلن مسؤولو مقار الانتخابات في البلاد والمحافظات الإحصائيات الدقيقة للأصوات التي حصل عليها المرشحون، وتم تأجيل ذلك فعلياً إلى اليوم الثالث، أي يوم الاثنين 4 مارس (آذار).
خلال هذه الفترة، كان الجدول الذي نشرته وكالة أنباء "إيرنا" يحتوي على العديد من الأعمدة الفارغة.
محاولة إعلان النصر والتسرع في إعلان العدد
منذ بداية عملية التصويت وحتى ما بعد الانتخابات، وبدلاً من التركيز على الدقة والشفافية في إجراء وإعلان الإحصائيات، صرف المسؤولون ووسائل الإعلام جل طاقتهم في إعلان "انتصارهم" و"هزيمة" أنصار مقاطعة الانتخابات.
وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور يوم الانتخابات إن نسبة المشاركة "أفضل" من الدورة السابقة.
وفي الوقت نفسه، زعم رئيس مقر الانتخابات في إيران أن مشاركة الشعب في الانتخابات كانت "أكثر كثافة".
وكان الإعلان عن هذه الإحصائيات الكاذبة بمثابة نوع من هندسة الأجواء الانتخابية يوم التصويت، وخداع الرأي العام.
الاعتراض بأصوات باطلة
وتم تسجيل أدنى إحصائيات مشاركة في تاريخ انتخابات نظام الجمهورية الإسلامية في هذه الدروة، إلا أن الأدلة تشير إلى أنه حتى بين الذين شاركوا، فقد أدلى جزء كبير منهم بأصوات باطلة.
وحتى يوم الاثنين، لم يعلن أي من مسؤولي مقر الانتخابات رسميا عن حجم الأصوات الباطلة، التي يمكن أن تكون علامة على تحركات المواطنين الاحتجاجية، بطريقة دقيقة وشفافة.
وفي الجدول الذي نشرته وحدثته وسائل الإعلام الرسمية، لا توجد معلومات حول إجمالي عدد الأصوات والأصوات الباطلة، وتم فقط تسجيل أسماء المرشحين وعدد أصوات بعضهم.
ومع ذلك، تشير التقارير الرسمية إلى أن حجم الأصوات الباطلة في بعض الدوائر الانتخابية، بما في ذلك "يزد"، احتل المرتبة الثانية.
وفي طهران، ومع انتهاء عملية فرز الأصوات، أعلنت وسائل الإعلام التابعة للنظام، أنه تم فوز 14 شخصاً فقط بعضوية البرلمان من أصل 30 مقعداً، فيما سيتم تحديد الفائزين بالمقاعد الـ16 المتبقية بالعاصمة في الجولة الثانية.
وبحسب قانون الانتخابات، يحتاج كل مرشح إلى أكثر من 20% من الأصوات الصحيحة في دائرته ليتأهل مباشرة في المرحلة الأولى.
ووفقاً لإحصائيات النهائية لدوائر طهران، وري، وشميرانات، وإسلام شهر، فقد شارك في الانتخابات حوالي 24% من إجمالي 7.7 ملايين شخص مؤهل، أي ما يعادل حوالي 1.86 مليون صوت.
ومن خلال حساب نفس الأرقام التي ذكرتها وسائل الإعلام الرسمية ومساعد محافظ طهران، يمكن ملاحظة أن نصف المرشحين يجب أن يذهبوا إلى الجولة الثانية.
وكان نحو 15 في المائة من الأصوات في دائرة العاصمة باطلة، أي ما يعادل 296 ألف صوت، حسب الإحصائيات الرسمية. وبهذه الطريقة يتم وضع الأصوات الباطلة في المركز السادس عشر، وهي أكثر من أغلبية المرشحين الذين ذهبوا إلى الجولة الثانية من الانتخابات.
زيادة عدد المؤهلين للمشاركة في الانتخابات لم تساعد
رغم تركيز النظام على إحصائيات العدد الإجمالي للمشاركين في الانتخابات، إلا أنه لا يوجد ذكر لتفاصيل أعداد المشاركين وذلك من أجل التغطية على الفشل الكبير.
ويأتي ذلك في حين أن عدد الأشخاص الذين يحق لهم التصويت قد زاد في السنوات الأخيرة.
وفي الدورة الـ11 من الانتخابات البرلمانية، وبحسب إعلان مقر الانتخابات في حكومة روحاني، بلغ عدد المؤهلين للتصويت أكثر من 57.9 مليون شخص، وقد وصل هذا العدد في هذه الدورة إلى أكثر من 61.1 مليون شخص؛ ويعادل ذلك نحو 3.2 ملايين شخص، وهو ما يمثل زيادة في عدد المواطنين الذين يمكنهم التصويت يوم الجمعة.
إلا أن النتائج الرسمية في هاتين الدورتين تظهر أن عدد المشاركين ارتفع من 24.5 مليوناً إلى نحو 25 مليوناً فقط.
المرشحون الذين لا يمثلون الناخبين
وحتى مع افتراض صحة الانتخابات، فإن عدد أصوات العديد من المرشحين للبرلمان أقل من عُشر العدد الإجمالي للناخبين المؤهلين في الدائرة الانتخابية.
وفي طهران، أدى تأثير مقاطعة الانتخابات إلى حصول محمود نبويان، الفائز الأول، على 597 ألف صوت فقط، أي أقل من 8 في المائة من الأصوات.
وفي دائرة تبريز، وآذرشهر، وإيسكو، باعتبارها أكبر دائرة انتخابية في البلاد بعد طهران، بحسب الإحصائيات الرسمية، لم يحصل المرشح الأول سوى نحو 100 ألف صوت، وهو ما لا يتمكن حتى من تمثيل عُشر الأشخاص الذين يحق لهم التصويت في دائرته.
وفي مركز محافظة فارس، فإن وضع أصوات المرشحين أسوأ، فالشخصان اللذان سيدخلان البرلمان في الجولة الأولى فازا بنحو 5 و4 في المائة من إجمالي عدد من يحق لهم التصويت، والبالغ عددهم 1.3 مليون نسمة في دوائر شيراز، وزرقان على التوالي.
وفي منطقة قزوين، وأبيك، وألبرز، فاز شخصان حصلا على أقل من 8 في المائة من إجمالي الأصوات المؤهلة في المرحلة الأولى.
وفي دائرتي رشت، وخمام، حصل الأشخاص الثلاثة الذين دخلوا البرلمان على أقل من 7% من الأصوات.
ومن ناحية أخرى، دخل عدد من المرشحين إلى البرلمان بحصولهم على 10 آلاف صوت أو أقل. ومن بينهم محمد جلالي في "محلات" بحوالي 5 آلاف صوت، ونصف أصوات المركز الأول في الدورة السابقة، وإلهام آزاد في "نائين" بحوالي 6 آلاف صوت، وأقل بألفي صوت عن الفترة السابقة.
ونتيجة نسبة التصويت هذه هي يمكن تسمية تشكيل أعضاء البرلمان بـ"الأقليات" (ذوي الأصوات المنخفضة).
خبراء بأقل قدر من الشرعية لـ"اختيار" المرشد
كما تشير نتائج انتخاب خبراء القيادة إلى أن المواطنين لم يبدوا اهتماماً كبيرا بهذه المؤسسة.
وبينما اعتبر المسؤولون في إيران، مراراً، مجلس الخبراء على أنه علامة على أن منصب المرشد في النظام الإيراني هو "انتخابي"، فإن الإحصائيات الانتخابية تظهر أن مقدار الأصوات التي حصل عليها المرشحون أقل بكثير مما يمكن تسميتهم بـ"ممثلي الشعب".
على سبيل المثال، حصل رجال الدين الذين دخلوا هذا المجلس من محافظة خوزستان على ما بين 8 إلى 15 في المائة من الأصوات المؤهلة، وحصل أولئك الذين دخلوا المجلس من محافظة أصفهان على 8 إلى 16 في المائة من الأصوات المؤهلة.
وفي محافظة خراسان رضوي، باعتبارها المركز الديني للنظام، دخل هذا المجلس مرشح حصل على حوالي 12% من الأصوات المؤهلة، وهو أحمد علم الهدى، الذي تعرض للسخرية بوصفه حاكما لـ"أرض خراسان المستقلة" بسبب فرض إرادته على سياسة وثقافة المنطقة، ولم يكن معه سوى أصوات حوالي 16% من الأصوات.
ولم يفز أحمد خاتمي، عضو مجلس الخبراء الحالي والمؤيد القوي للنظام، إلا بحوالي خُمس الأصوات المؤهلة في محافظة كرمان.
ومع هذا الرصيد المنخفض للغاية من الأصوات، يقترب هذا المجلس من المرحلة المحتملة لتحديد المرشد المستقبلي للنظام؛ المجلس، الذي بالإضافة إلى افتقاره إلى الشرعية في لغة الأصوات، فقد نفى العديد من أعضائه، في الآونة الأخيرة، دوره الرقابي على المرشد.
التلاعبات التي لم تجد
يأتي العدد المنخفض جدًا من المشاركة في الانتخابات في حين قام المسؤولون في النظام الإيراني، من أجل "هندسة" الانتخابات، بتوزيع الامتيازات على بعض الفئات، بما في ذلك الجنود والتلاميذ، لتحفيزهم على المشاركة في الانتخابات.
وتشير الإحصائيات النهائية إلى أن الهندسة لم تتمكن من إضافة رقم ملموس إلى عدد الناخبين، وأخيراً مني النظام بهزيمة انتخابية كبيرة أمام المعارضة.