يجري النظام الإيراني تقريبا كل سنة ونصف انتخابات، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو انتخابات مجلس الخبراء أو انتخابات بلدية.
وقد يُطرح سؤال هنا مفاده: إذا كانت إيران غير ديمقراطية، فلماذا يعقد النظام انتخابات برلمانية؟
أحد أسباب ذلك هو أن الدول في العصر الحديث، وتحديدا منذ منتصف القرن العشرين فصاعدا أصبحت لا تقبل أن تصنف على أنها غير ديمقراطية، ولم تستغنِ عن آليات كالانتخابات تثبت من خلالها أنها حكومة "شعبية" ومنبثقة من اختيار الشعب وانتخابه.
ولا يخفى أن تشكيل نظام غير ديمقراطي في بلد من البلدان سيكون له تبعات أمنية واقتصادية وسياسية ودولية خطيرة.
العامل الآخر لإجراء الانتخابات هو السيطرة والتحكم بالنخب السياسية.
ففي الأنظمة السلطوية، يحاول قائد النظام، من أجل تعزيز قدرته، منع تشكيل هياكل سلطة مستقلة وفعالة، ولهذا يلجأ عبر أساليب العزل والتعيين وتغيير المسؤولين الأمنيين والقضائيين والتنفيذيين بشكل مستمر، إلى الهيمنة على السلطة بعد القيام بتشكيل مؤسسات موازية تمنع حرية العمل من جميع المؤسسات والأفراد باستثناء هرم السلطة.
على سبيل المثال، وبغض النظر عن انتماء رئيس الجمهورية الأيديولوجي أو برنامجه السياسي في إيران، فإن المرشد يمنع رئيس الجمهورية من تشكيل شبكة سلطة مستقلة، ولذلك يعمد إلى إضعاف رئيس الجمهورية ومكانته.
الدافع الآخر للأنظمة الاستبدادية لتنظيم الانتخابات، هو خلق ظروف تستطيع القيادة المركزية من خلالها التدخل في كافة الشؤون والسياسات، سواء السياسات الكبرى أو الصغرى وأن تتمتع بـ "سلطة مطلقة" وقوة متجاوزة للدستور والقانون دون أن تتبنى هذه القيادة أي مسؤولية للسياسات والقرارات التي يتخذها النظام الحاكم، وعليه يصبح المرشد في إيران غير ملزم بالإجابة والتوضيح للمؤسسات الأخرى.
وبالنسبة للانتخابات البرلمانية في إيران يجب أن نشير إلى نقطة مهمة وهي أن البرلمان، وفقا للدستور الإيراني، يعد المؤسسة المسؤولة الوحيدة للتشريع، لكن نلاحظ أن هذا البرلمان يعمل في الغالب على وضع سياسات تضعف من مكانة البرلمان نفسه وتسلب صلاحياته.
إن المرشد الإيراني، وعبر "هندسة الانتخابات" والتغيير الدائم في تشكيلة البرلمان، يفتح المجال لتدخله غير القانوني، وقد تأتي هذه التدخلات من خلال فرمانات رسمية أو من خلال أوامر شفهية وسرية من جانب "بيت المرشد" أو مجلس صيانة الدستور أو مجلس تشخيص مصلحة النظام أو غيرها من المؤسسات التابعة للمرشد.
والانتخابات البرلمانية في إيران لا تسهم في التلاعب بعملية التشريع فحسب، وإنما تضاعف من "أزمة القانون" في البلد، وبعد أن يفقد القانون فحواه يتحول إلى أداة تتناقض مع القانون والهروب من تنفيذه.
ولا ننسى أن الديمقراطية تعني الحرية، والحرية تعني حرية التشريع وتفسير القانون، وفي النهاية المساواة بين الجميع أمام هذا القانون.
إن الأزمة الأساسية التي تعيشها إيران منذ حركة "المشروطة" السياسية عام 1905 وحتى اليوم لا تزال هي "أزمة القانون".