بابك زنجاني المتهم بأكبر ملف فساد في تاريخ قطاع النفط الإيراني ينال عفوا من المرشد علي خامنئي بعد 9 سنوات من إصدار حكم الإعدام بحقه.
في 5 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، انعقدت الجلسة الثالثة لمحكمة قضية الفساد النفطي الكبرى في إيران، وتمت قراءة لائحة الاتهام للمتهمين في محكمة الثورة.
وكان باباك زنجاني المتهم الرئيسي في الملف أكثر ابتهاجا في هذه المرة من المحاكمات، مقارنة بما كان عليه في المرات التي سبقتها.
في بعض الأحيان، أثناء قراءة لائحة الاتهام، كان يدير رأسه نحو المتهمين الآخرين، مهدي شمس زاده وحميد فلاح هروي، ويضحك.
ولدى دخوله إلى قاعة المحكمة، ألقى التحية على أحد المحامين الحاضرين في الجلسة. فقال له المحامي أتمنى بعد انتهاء المحاكمة أن تضحك أنت والناس. وأجاب زنجاني: "كلنا نضحك، لا تشك في ذلك".
والآن، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانجير، أنه "بسبب التعاون الذي قدمه زنجاني أثناء سجنه خلال 10 سنوات قضاها في الحبس، تم تحديد ممتلكاته في الخارج، وتقييم قيمتها بعد إرسال الخبراء المختصين، وتمت إعادة ممتلكاته إلى البلاد، وبتقرير الجهات المختصة بشأن إعادة الممتلكات تم تقديم طلب العفو لبابك زنجاني من قبل القضاء، ومطالبة رئيس السلطة القضائية بذلك. وبموجب المرسوم، وبموافقة رئيس السلطة القضائية، وعفو المرشد علي خامنئي، تم إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه وتحويله إلى السجن لمدة 20 عاماً".
مَن هو بابك زنجاني؟
من مواليد عام 1974 والمتهم الأول في قضية الفساد الكبرى التي شهدها الاقتصاد الإيراني. وادعى هو نفسه أنه كان سائق رئيس البنك المركزي آنذاك أثناء خدمته العسكرية، وبهذه الطريقة كان يعمل في وساطة العملات لصالح البنك المركزي. وهي الرواية التي نفاها البنك المركزي.
والمعروف أنه بدأ تعاونه مع مقر خاتم الأنبياء، التابع للحرس الثوري الإيراني، من خلال بعض المعارف والوساطات.
في السابق، كان زنجاني ينشط في إنتاج العطور في جزيرة كيش، وتجارة جلود الأغنام المدبوغة وتصديرها، وبعد ذلك في نقل الأموال بين البلدان.
لكن أصل الحكاية بدأت عندما أصبح رستم قاسمي، القيادي في الحرس الثوري، قائدا لمقر خاتم الأنبياء عام 2007، والتقى ببابك زنجاني عبر وسطاء ومعارف.
في جلسات المحكمة في قضية الفساد هذه كان تتم الإشارة إلى اسم مختصر بعنوان "أ. و. د" باعتباره الداعم والممثل لبابك زنجاني في مجموعات الحرس الثوري الإيراني.
الاسم المذكور في المحكمة لم يكن سوى أحمد وحيد دستجردي، الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة "تعاون" التابعة للحرس الثوري الحرس الثوري الإيراني ونائب وزير الدفاع السابق.
ملف الفساد النفطي.. بابك ورستم والأصدقاء
بدأ تعاون بابك زنجاني مع وزارة النفط الإيرانية في عام 2010. وحينها، كانت العقوبات على بيع النفط الإيراني قد منعت تصدير أهم مصدر من مصادر الدخل للنظام الإيراني، وأصدر علي خامنئي أمرا يقضي بضرورة التحايل والالتفاف على العقوبات.
دخل بابك زنجاني مجال مبيعات النفط بعد تجربة نقل الأموال لمقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني، وشراء بعض المعدات من الخارج.
وعندما تولى رستم قاسمي رئاسة وزارة النفط عام 2011، أصبح بابك زنجاني أهم ناشط في وزارة النفط لبيع النفط الإيراني.
ولاحقاً قام بشراء بنك إسلامي "FIIB" في ماليزيا لتحويل أموال النفط المباع، وتسديد دفعات وزارة النفط للمقاولين الأجانب بهذه الطريقة.
كما قام أيضًا بإنشاء شبكة صرافة في الإمارات العربية المتحدة وطاجيكستان، جنبًا إلى جنب مع بنك ماليزيا، للمساعدة في استكمال هذه الشبكة المالية.
خلال هذه الفترة، كان يتلقى خطابات الاعتماد من مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني من خلال الفروع المختلفة لبنكي "ملي" و"ملت" في الداخل الإيراني، ويقوم بصرف العمولات واستلامها في الخارج من خلال شبكته المالية الخاصة.
وفي عام 2012 تم تحويل مبالغ مالية ضخمة في حساب بنكه الخاص بتوقيع من 3 وزراء ورئيس البنك المركزي في حكومة أحمدي نجاد، لتبدأ قضية أكبر ملف فساد شهدها الاقتصاد في إيران.
في العام ونصف العام الأخيرين من حكومة أحمدي نجاد، حصل بابك زنجاني على 14.5% من مبيعات النفط، بالإضافة إلى حصوله على بعض شحنات النفط للبيع في المياه الدولية. وفي النهاية ارتفعت نسبة ديونه إلى 2 مليار و967 مليونا و500 ألف يورو لوزارة النفط الإيرانية.
في تلك السنوات أقدم زنجاني على شراء شركة طيران "قشم"، كما استثمر في بعض الأفلام السينمائية، وامتلك نادي "راه آهن" في طهران، بالإضافة إلى العشرات من الأملاك والعقارات في طهران ولواسان وقشم وجزيرة كيش. كما اشترى زنجاني شركة "أنور إير" في تركيا.
لكن وبعد تغيير حكومة الرئيس الداعم لزنجاني، وتولي حسن روحاني رئاسة الجمهورية، وتعين وزير نفط جديد هو بيجن زنغنة، بدأت أزمة فساد زنجاني في الظهور، وطالبت الحكومة الجديدة زنجاني وشركاته بدفع ديونه لوزارة النفط.
زنجاني والباسيج
وقبل أشهر من اعتقاله كان زنجاني يعرف نفسه بأنه أحد عناصر الباسيج الناشطين في المجال الاقتصادي، كما انتشرت له صور في طائرته الشخصية وهو بجوار حسن ميركاظمي، أحد العناصر المقربين من الحرس الثوري، وهي صور أثارت جدلا واسعا آنذاك.
اعتقال بابك زنجاني
وأخيراً، وبعد توتر كبير بين حكومة روحاني وبابك زنجاني، تم اعتقال ملياردير النفط بابك زنجاني في 30 ديسمبر (كانون الأول) عام 2013.
وفي الفجوة الزمنية البالغة حوالي عامين بين الاعتقال وإجراء المحاكمات، كشف المسؤولون الحكوميون والبرلمانيون آنذاك عن معلومات متضاربة حول ملفه.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 وبعد 26 جلسة من المحاكمات، قال المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران آنذاك محسني إيجه إي: "بابك زنجاني ومتهمان آخران في قضية الفساد المالي، وبموجب الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية تمت إدانتهم كمفسدين في الأرض وحكم عليهم بالإعدام".
وأضاف: "إلى جانب عقوبة الإعدام، حكم على المتهمين في القضية بغرامة يجب ردها إلى المدعي، أي شركة النفط".
في 15 يناير (كانون الثاني) 2017، أُعلن أيضًا عن اعتقال "علي رضا زيبا حالت منفرد" باعتباره الصندوق الأسود لبابك زنجاني. وقد اتُهم بحيازة جزء من ممتلكات بابك زنجاني في ماليزيا ثم في جمهورية الدومينيكان، وتم تسليمه إلى إيران وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا.
تخفيف العقوبة
كان هناك بند في الحكم الصادر بحق بابك زنجاني يؤكد أنه "إذا تعاون في إعادة ممتلكات وديون وزارة النفط، فيمكن أن يحق له الحصول على تخفيف للعقوبة".
وخلال هذه السنوات، تمت مصادرة أجزاء من ممتلكاته مثل العديد من المنازل السكنية، ونادي "راه آهن" في طهران، وشركة طيران "قشم"، وما إلى ذلك، وتم تسليم هذه الأموال إلى وزارة النفط.
وبقي ملف زنجاني خلال هذه السنوات معلقا وسط تضارب في الأنباء حول مصيره، بين من يؤكد أنه سيعدم وبين من يقول إنه سيتم تخفيف عقوباته إذا أظهر تعاونا مع السلطات.
وبعد عود الحكومة الأصولية إلى الحكم بقياد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي بدأت الكفة تميل إلى صالح زنجاني، وفي آخر التطورات المهمة في ملفه أعلن رئيس السلطة القضائية محسني إيجه إي في 19 فبراير (شباط) 2024 إن بابك زنجاني دفع ديونه لوزارة النفط، وهي ما تشكل خطوة في التخفيف عنه وإخلاء سبيله لاحقا كما يرى مراقبون.
ولم يكشف مسؤولو وزارة النفط والسلطة القضائية في إيران تفاصيل ومبلغ الديون المتبقية، والممتلكات التي يدعى أنها تمت إعادتها إلى إيران.
وعلى ما يبدو، فإن اليوم الموعود قد اقترب، وأعلن المتحدث باسم السلطة القضائية إن المرشد علي خامنئي وافق على العفو عن بابك زنجاني، وتم تغيير الحكم الصادر بحقه من الإعدام إلى السجن 20 عاما.
وقال محامي بابك زنجاني، رسول كوهبايه زاده، إنه "نظراً لمرور أكثر من 10 سنوات على مدة السجن، ووفقاً للقوانين واللوائح، فإن موكله لديه إمكانية الاستفادة من الإفراج المشروط وتنتهي فترة السجن الدائم".