تستمر احتجاجات المعلمين الإيرانيين، كل عام، وفقًا للمبادئ الثلاثة الأساسية والمهمة المنصوص عليها في الدستور، وهي: "اتباع القانون والسلمية واللاعنف"، ودائمًا ما كان رد النظام هو القمع.
"الاحتجاج مسموح لكن الشغب محظور"
هذه هي الجملة، التي تتردد كثيرًا من السلطات العليا في نظام الجمهورية الإسلامية، عند مواجهة الأزمات والاحتجاجات، ومع ذلك، تقر المادة 27 من الدستور بحق المواطنين في تكوين تجمعات حرة، ووفقًا لهذا المبدأ القانوني، يمكن لأي شخص "لا يحمل سلاحًا" استخدام هذا الحق القانوني، إذا كان عمله "لا يخالف مبادئ الإسلام"، لكن النظام، في السنوات الماضية، قمع التجمعات القانونية النقابية والاحتجاجية، مدعيًا أنها أعمال "شغب".
وكان المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية للمعلمين الإيرانيين قد أصدر دعوة لتجمع عام للمعلمين، يوم الخميس، الثاني من مايو (أيار) الجاري، وأكد أن هذه التجمعات تشكلت لتحقيق المطالب النقابية والسياسية وحركات المساواة في إيران.
وذكر المجلس أن "الغلاء والتضخم الناجم عن سوء الإدارة والعقوبات والفساد والاختلاس، أفرغ مائدة الشعب"، ونبه إلى أن هذا الوضع حرم المعلمين والتلاميذ من دافع التدريس والتعلم".
وقبل يوم من هذا البيان، استدعت أجهزة استخبارات النظام ما لا يقل عن 17 معلمًا وناشطًا في نقابة المعلمين بمدينة سنندج، غربي البلاد، وأخذت "تعهدًا" من المستدعين بعدم المشاركة في هذه المسيرة الاحتجاجية، لكن المعلمين شاركوا، وتم اعتقال عدد من المحتجين في بعض المدن.
ونشهد كل عام عقد تجمعات احتجاجية لهذه الفئة التعليمية ومتقاعدي البلاد؛ احتجاجًا على الأوضاع السيئة للتلاميذ وظروف المعلمين المعيشية، وذلك بعد تشكيل النقابات عام 1999، وإنشاء المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين.
ورغم أن هذه الاحتجاجات، مثل تجارب معظم دول العالم، شهدت صعودًا وهبوطًا من حيث الكم والكيف، فإن ما يجعل هذا النوع من الاحتجاجات مثيرًا للإعجاب للغاية، هو مراعاة واتباع المبادئ الثلاثة الأساسية والمهمة، وهي: "اتباع القانون والسلمية واللاعنف"، ليس فقط بالشعارات، بل في الممارسة العملية؛ حيث تمكن المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية، بمساعدة أعضائه البارزين والناشطين النقابيين، من مأسستها في النشاط النقابي والميداني والشارع بين أعضائه وداعميه.
ولكن بدلًا من توفير الحقوق والاحتياجات الأساسية للمعلمين، في إيران، يستخدم نظام الجمهورية الإسلامية سياسات القمع والسيطرة للتعامل مع مطالبهم، وتبني الحكومة لهذا الأسلوب يمكن أن يكون له أسباب مختلفة، بما في ذلك أسباب أمنية واقتصادية.
إن بعض مطالب المعلمين في إيران، مثل "إلغاء حصة القبول في الجامعات المخصصة لأبناء الموالين للنظام، وإزالة التمييز التعليمي، وإلغاء أي تمييز بين الجنسين، والنظرة الذكورية في الكتب المدرسية"، تتعارض مع السياسات والأهداف الأيديولوجية للنظام.
ويرى المعلمون والنشطاء أن هيمنة المحتوى الأيديولوجي في التعليم في إيران أدى إلى تشويه التاريخ، وتجاهل الجوانب العلمية، وتعزيز معتقدات معينة، والحد من تنوع وديناميكية آراء التلاميذ، وإضعاف قدرة الطلاب على التحليل النقدي للمادة الدراسية، وعدم وجود التفاهم والتفاعل بين الثقافات في المجتمع.
من ناحية أخرى، وفي الظروف التي يواجه فيها النظام أزمة اقتصادية وضغوطًا مالية؛ بسبب الفساد الهيكلي والمغامرة الإقليمية، والتوتر المتزايد مع حكومات المنطقة والعالم، فإن جزءًا من مطالب المعلمين مثل "مجانية التعليم لجميع الطلاب، خاصة أن 930 ألف طالب تأخروا في التعليم" و"تأمين مساحات تعليمية لثلاثة ملايين طالب يدرسون في أماكن عالية الخطورة بسبب المباني التعليمية المتهالكة" و"منع خصخصة التعليم" و"المساواة في دفع رواتب المتقاعدين" و"رفع الرواتب فوق خط الفقر" يمكن أن يؤدي إلى زيادة في تكاليف التعليم وعجز أكبر في ميزانية الحكومة.
ولهذه الأسباب، يفضل النظام استخدام أساليب القمع والسيطرة، بدلًا من تلبية مطالب المعلمين والاستجابة لاحتياجاتهم؛ كي يحافظ على التوازن في الميزانية وسلطته السياسية، ويسيطر على النظام الاجتماعي في البلاد، وهو السلوك الذي أدى، في السنوات الماضية، إلى زيادة استياء المعلمين، وإضعاف البنية التعليمية، وعدم تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في إيران.