يستمر سوق الإسكان في إيران بفرض أعباء مالية هائلة على المواطنين، وخاصة المستأجرين، حيث ترتفع الإيجارات بوتيرة متسارعة إلى مستويات غير مسبوقة، ما يجعل الكثيرين يكافحون من أجل تحمل تكاليف السكن.
وما لا يخفى أن السبب الرئيسي لارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات هو استمرار ارتفاع التضخم، حيث ظل أعلى من 40 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية. وقد انخفضت العملة الوطنية، الريال، أكثر من 15 ضعفًا منذ عام 2018 عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على صادرات النفط الإيرانية.
وقد شارك عظيمي، أحد سكان المنطقة الخامسة في بلدية طهران، الواقعة شمال غرب العاصمة، تجربته المؤلمة مع موقع "خبر أونلاين" الإخباري في طهران، حيث سلط الضوء على الواقع المرير الذي يواجهه عدد لا يحصى من الإيرانيين.
وقال عظيمي متأسفا: "لقد رفع صاحب منزلنا السعر أكثر مما أستطيع تحمله". وبعد زيادة الإيجار بنسبة 40 بالمائة التي طلبها المالك، وجد عظيمي نفسه غير قادر على تلبية هذا المبلغ الباهظ. وفي محاولة يائسة للحصول على بدائل، سعى إلى البحث عن أماكن إقامة أصغر حجمًا، لكنه قوبل بإيجارات أعلى بكثير لمساحات معيشة أصغر، فما كان له أي خيار قابل للتطبيق سوى الانتقال إلى منطقة أخرى.
وكشفت أحدث التقارير الصادرة عن صحيفة "دنياي اقتصاد" الاقتصادية الإيرانية اليومية عن زيادة مذهلة بنسبة 42 بالمائة في الإيجارات أبريل 2024 مقارنة بالعام السابق، مع توقعات تشير إلى مزيد من الارتفاعات في الأشهر المقبلة، ما يؤدي إلى تفاقم محنة المستأجرين الإيرانيين الذين يعانون بالفعل من الهشاشة المالية.
وشدد عظيمي على تكاليف الإيجار غير المتناسبة في منطقته، والتي تتراوح بين 4-5 مليارات ريال سنويًا، أي ما يقرب من 6510 دولارًا إلى 8140 دولارًا، بمتوسط حوالي 610 دولارات شهريًا، ما يجعل الإيجار في منطقته في غير متناول المواطن العادي. ومع حصول موظفي الخدمة المدنية والعمال العاديين على رواتب شهرية هزيلة لا تتجاوز 200 دولار إلا بالكاد، فقد وصل التفاوت بين الدخل وتكاليف السكن إلى مستويات مثيرة للقلق.
علاوة على ذلك، فإن الاحتمال الصعب لشراء منزل لا يزال بعيد المنال بالنسبة للكثيرين بما في ذلك عظيمي، حيث يبلغ متوسط تكلفة المتر المربع الواحد من الشقق في طهران ومعظم المدن الكبرى الأخرى أكثر من 1150 دولارًا.
وأضاف عظيمي: "أنا مستأجر في طهران منذ سنوات عديدة، لكنني لم أتمكن بعد من الحصول على قرض سكني".
وأعرب ساكن آخر من نفس المنطقة عن قلقه بشأن أزمة سوق الإيجار المتفاقمة، قائلًا: "على الرغم من وجود العديد من العقارات المتاحة للإيجار، تكمن المشكلة في أسعارها التي لا يمكن للمستأجرين المحتملين تحملها، ما يتركنا نتساءل من يمكنه تحمل تكاليفها بالفعل؟". وأضاف: "في الواقع، واجهنا ارتفاعًا في الإيجار بنسبة 100 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، وليست هناك خطط متوقعة لمساعدتنا".
وأشار ناشط نقابي من المنطقة السابعة في طهران، إحدى المناطق الحضرية في العاصمة، إلى الزيادة المذهلة بنسبة 50 بالمائة في سوق الإيجارات وإلى ركود السوق العقاري بسبب تراجع القدرة الشرائية فيما يتعلق بملكية المنازل، مضيفا أنه "لا أحد قادر على شراء منزل، أسعار العقارات انخفضت بشكل طفيف، لكن انخفاض الأسعار لم يكن بسبب السيطرة على التضخم، بل بسبب الانخفاض الحاد في القوة الشرائية".
ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، شهد سوق الإسكان معدل تضخم سنوي يقارب 40 بالمائة في الأشهر الاثني عشر السابقة. علاوة على ذلك، في أواخر العام الماضي، كشفت صحيفة "دنياي اقتصاد" عن إحصائية مذهلة حيث إن متوسط الوقت الذي يحتاجه الناس لتوفير ما يكفي من المال لشراء منزل في طهران ارتفع إلى 112 عاماً.
وبينما يتحمل الإيرانيون الهجمة المتواصلة لارتفاع الإيجارات، فإن التدخل العاجل واتخاذ التدابير الشاملة أمر ضروري لمعالجة أزمة الإسكان. ومع ذلك، فإن ما يزيد من مشاكل المستأجرين الإيرانيين هو عدم التدخل والدعم الحكومي.
وعلى الرغم من وعد الرئيس إبراهيم رئيسي خلال حملته الرئاسية لعام 2021 بمعالجة أزمة الإسكان في إيران من خلال بناء مليون منزل بأسعار معقولة كل عام، إلا أنه لم يكن هناك ما يشير إلى تسليم أي مساكن جديدة.
علاوة على ذلك، ففي عام 2022، ظهرت تقارير تفيد بأن البنوك الإيرانية ترفض منح القروض العقارية للمواطنين، على الرغم من وعد الحكومة بمساعدة العمال ذوي الدخل المنخفض.
وفي خضم معاناة الإيرانيين من معدل تضخم سنوي تجاوز 40 بالمائة على مدى السنوات الخمس الماضية، بالإضافة إلى انخفاض الأجور وانخفاض العملة الوطنية التي تتجاوز الآن 610 آلاف ريال مقابل الدولار الأميركي، يتعين عليهم الآن مواجهة التحدي الهائل المتمثل في تأمين سقف فوق رؤوسهم.