بعد الإعلان عن تولي الهند إدارة وتطوير ميناء تشابهار الإيراني لمدة 10 سنوات، برزت تساؤلات عن الأسباب التي دفعت نيودلهي وطهران لتوقيع هذا الاتفاق، ومدى تأثيره في حركة التجارة بآسيا الوسطى، خاصة وأن تشابهار منافس لميناء غوادار الباكستاني، الأمر الذي قد يسبب قلقا مع باكستان والصين.
وعلى مدى العقدين الماضيين واجه مشروع تطوير ميناء تشابهار العديد من العقبات، وفي السنوات الثماني الماضية استثمرت شركة "إیندیا پورتس غلوبال" نحو 85 مليون دولار في هذا الميناء، منها 25 مليون دولار تتعلق بمحطة شهيد بهشتي.
ما هي أهمية تشابهار بالنسبة للهند وإيران؟
هدف الهند هو تولي إدارة طويلة المدى لهذه المحطة لتصدير البضائع إلى دول آسيا الوسطى وأفغانستان؛ الأسواق المهمة التي ساهمت بنسبة 1% فقط من إجمالي التجارة الخارجية للهند، وتحتاج هذه الدولة إلى عبور بضائعها من الدولة المنافسة "الصين" أو الدولة المعادية "باكستان" للتبادلات التجارية مع هذه المنطقة.
وتعتزم الهند أيضاً جعل التجارة مع روسيا أكثر سلاسة عبر إيران؛ ورغم أن هذه المسألة تتطلب المزيد من التطوير للمشاريع الإيرانية اللوجستية؛ وخاصة استكمال خطي السكك الحديدية "تشابهار – زاهدان"، " ورشت –– آستارا"، اللذين ظلا في انتظار الاستثمار والتطوير منذ عقدين من الزمن.
تكمن أهمية تشابهار بالنسبة لإيران في زيادة الدخل من عبور البضائع الأجنبية. وهي مسألة لم تتحقق حتى الآن بسبب عدم استكمال خطي تشابهار للسكك الحديدية.
في العام الماضي، كان لدى إيران ما يقرب من 15 مليون طن من البضائع الأجنبية العابرة، منها 15 ألف طن فقط (واحد بالألف) تم نقلها من ميناء تشابهار.
ومع ذلك، تضاعفت واردات إيران وصادراتها من هذا الميناء خلال السنوات الماضية، ووصلت إلى أكثر من 4 ملايين طن في العام الماضي، والتي كانت لها حصة تزيد عن 2٪ في إجمالي تفريغ وتحميل بضائع الواردات والصادرات في البلاد عام 2023.
أهداف الهند
في السنة المالية الماضية (أي ما يعادل تقريبًا السنة الشمسية في إيران والتي انتهت في 19 مارس/آذار الماضي)، كان لدى الهند ما يزيد قليلاً عن مليار دولار من التجارة مع 5 دول في آسيا الوسطى، وحوالي مليار دولار من التجارة مع أفغانستان، والتي ظلت راكدة تقريبا، ولم تزد في السنوات القليلة الماضية.
كما أن معظم تجارة الهند مع آسيا الوسطى تتم عبر كازاخستان والصين.
ومن أجل تجارة السلع مع الدول المذكورة، يجب أن تكون الهند مرتبطة بها عن طريق الصين أو باكستان.
وتشهد باكستان نزاعًا إقليميًا مع الهند حول منطقة كشمير منذ عقود، ورغم أنها طريق تقليدي للتجارة بين الهند وأفغانستان؛ لكن لأول مرة فقط في عام 2022، صدر الإذن بعبور البضائع الهندية إلى أوزبكستان.
كما تعد الصين منافسًا تجاريًا للهند، وبالمناسبة، فقد قامت بتطوير ميناء "غوادار" الباكستاني القريب من تشابهار على مدار العقد الماضي، ووقعت عقودًا تزيد قيمتها على 50 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنقل والطاقة في باكستان، كما أنها تخطط لربط خطوط السكك الحديدية الباكستانية بأفغانستان.
وقد زادت الصين بشكل كبير من عبور البضائع من آسيا الوسطى إلى الغرب في السنوات القليلة الماضية.
وبالمقارنة بالتجارة التي تبلغ قيمتها مليار دولار بين الهند وآسيا الوسطى، تظهر إحصاءات الجمارك الصينية أن حجم التجارة مع هذه الدول بلغ 90 مليار دولار في العام الماضي، وهو ما يزيد بنسبة 27% عما كان عليه في عام 2022.
وأمام هذه التحديات تبحث الهند عن طرق بديلة لتطوير تجارتها. ففي العام الماضي، تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتطوير مشروع العبور الضخم بين الهند والإمارات العربية والسعودية وأوروبا؛ لكن هذا الطريق لا يساعد النمو التجاري للهند وآسيا الوسطى أو أفغانستان.
وتمتلك دول آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان، موارد نفطية هائلة، وهي أسواق مستهدفة مهمة لحكومة نيودلهي.
وتشير إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى أن 5 دول في آسيا الوسطى صدرت ما قيمته 143 مليار دولار، واستوردت ما قيمته 95 مليار دولار من السلع والخدمات العام الماضي. في حين أن حصة الهند من التجارة الخارجية لهذه البلدان، البالغة 238 مليار دولار، لا تمثل حتى نصف في المائة. وتبلغ حصة هذه الدول في التجارة الخارجية للهند حوالي نصف في المائة.
الموانع العقبات
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعفت تطوير ميناء تشابهار الإيراني، بالتعاون مع الهند، من العقوبات، إلا أن بقاء إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، وحظر وصولها إلى نظام "سويفت" المالي يشكل تحديا كبيرا أمام تطوير الميناء وتوسيعه.
من ناحية أخرى، وبسبب هذه العقوبات، لا تستطيع إيران تصدير النفط إلى الهند لتسوية ديونها، وشكلت وارداتها من الهند العام الماضي ما يقرب من ثلث صادراتها إلى نيودلهي، بعبارة أخرى، يبلغ الميزان التجاري غير النفطي بين البلدين نحو مليار دولار لصالح الهند.
مشكلات وتحديات التطوير
لكن هذه القضية تعد غيضا من فيض عند الحديث عن المشكلات والتحديات اللوجيستية التي تواجه فكرة توسيع وتطوير ميناء تشابهار الإيراني، جنوب شرقي البلاد.
لقد فشلت إيران في تطوير مشروع سكة حديد تشابهار- زاهدان في العقدين الماضيين، ما جعلها تواجه صعوبات كثيرة في نقل البضاعة من الهند وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، بحيث أصبحت مضطرة إلى تفريغ الحمولات عدة مرات، وبعد النقل البحري، تقوم بنقلها إلى الدول المستهدفة.
وعملية النقل بهذه الطريقة المعقدة ضاعفت من التكاليف كما تستغرق العملية وقتا أطول بكثير.
ولا ترغب دول آسيا الوسطى في تحميل بضائع صادراتها عدة مرات.
وفي العام الماضي تم عبور 15 ألف طن فقط من البضائع من ميناء تشابهار، وهو ما يعادل 1 في الألف من إجمالي عبور البضائع الأجنبية عبر الأراضي الإيرانية.
كما أن خطوط السكك الحديدية الإيرانية لا تنقل سوى 10% من إجمالي عبور البضائع الأجنبية، في حين أن أهم مجال للنقل البري في العالم يرتبط بتوفر خطوط السكك الحديدية.
وإذا عقدنا مقارنة بين إيران وجمهورية أذربيجان في هذا الملف، نجد أن جمهورية أذربيجان تنقل ضعفي البضاعة المصدرة عبر الأراضي الإيرانية، وتصل هذه النسبة إلى 5 أضعاف في عبور البضائع الأجنبية عبر خطوط السكك الحديدية.
أما الوضع في دول آسيا الوسطى فهو أفضل بكثير منه في أذربيجان بسبب عبور البضائع الروسية والصينية.
وتتمحور فكرة ميناء تشابهار الرئيسية بالنسبة للهند في عبور البضائع عبر إيران؛ لكن إحصائيات البنك الدولي تظهر أن إيران تمتلك أسوأ مؤشر للكفاءة اللوجستية في المنطقة بعد أفغانستان، وحتى العراق يحتل مرتبة أعلى من إيران.
على أية حال، لا تزال الهند تأمل على المدى الطويل، من خلال توليها إدارة محطة بهشتي في ميناء تشابهار، أن تتمكن من رسم رؤية لتنمية تجارتها مع أفغانستان وآسيا الوسطى؛ خاصة وأن العقد المبرم بين إيران والهند لمدة 10 سنوات قابل للتجديد، ويمكن أن يستمر لعقود.
ومن خلال تولي إدارة ميناء تشابهار، تأمل الهند أيضًا في كسب المال من خلال وصول البضائع الأفغانية أو آسيا الوسطى إلى هذا الميناء وتحميلها إلى دول أخرى.
ويقتصر القسم الأكبر من البضائع القادمة من آسيا الوسطى عبر إيران حاليًا على نقل مادة الكبريت المنتج من تركمانستان إلى الأسواق العالمية، ويتم ذلك عبر خطوط السكك الحديدية التي تصل إلى بندر عباس؛ ولكن إذا تم الانتهاء من خط السكة الحديد زاهدان- تشابهار، فإن أقصر طريق سيكون ميناء تشابهار.