جاء تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أدى لمقتله والوفد المرافق له، كحدث غير متوقع فاجأ الرأي العام المحلي والدولي.
هذا الحدث المميت سيكون له تأثير على توازن القوة داخل نظام الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عما إذا كان تحطم الطائرة ناتجا عن سوء الأحوال الجوية أو مؤامرة داخلية أو خارجية.
هذا التأثير يظهر في ظل تساؤل كان يدور خلال الفترة الماضية عما إذا كان رئيسي هو من سيخلف المرشد الإيراني علي خامنئي أم كان يتم إعداد شخصية أخرى لهذا المنصب؟
وإذا كان الظهور المفاجئ لإبراهيم رئيسي في السياسة الإيرانية خلال السنوات الثماني الماضية سياسة واعية ومدروسة من قبل النواة الصلبة للسلطة لتولي الإدارة العليا للنظام في مرحلة ما بعد خامنئي، فإن وفاة رئيسي المفاجئة تعتبر خسارة للنظام، وقد تؤدي إلى نوع من الارتباك المحدود حتى إشعار آخر.
لكن لو كان رئيسي كان أحد الخيارات المطروحة فحسب، فإن الموضوع لن يكون بهذه الحساسية، خاصة إذا كانت هناك خيارات أخرى.
وتظهر سجلات رئيسي أنه كان إحدى القوى الموثوقة في النواة الصلبة لنظام الجمهورية الإسلامية، وأحد الشخصيات الأمنية والقضائية المهمة في هذا النظام. وكان له دور فعال في هيكل القمع بشكل مستمر، ونما تدريجياً في هرم هيكل السلطة.
كان الرئيس الراحل ينتمي إلى الاتجاه الراديكالي للنظام، الذي أصر على الحفاظ على صورة كلاسيكية، ومساحة سياسية ثقافية مغلقة، وإجراءات أمنية صارمة، ومقاومة أي نوع من المطالبة بالإصلاح.
في الوقت نفسه، لم يكن رئيسي يتمتع بمكانة خاصة في السلطة التنفيذية يصعب استبدالها. المشكلة الوحيدة بالنسبة للنظام هي عدم الاستعداد لإجراء انتخابات جديدة بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية.
كما أن اتخاذ قرار بشأن الرئيس التاسع قبل أحد عشر شهراً من انتخابات الدورة الرئاسية الرابعة عشرة هو وضع غير سار يضع النظام في حالة طوارئ.
وبما أن غالبية الشعب الإيراني أصبحت غير مبالية بالانتخابات في إيران منذ عام 2019، فمن غير المرجح أن تحظى الانتخابات الرئاسية المبكرة باهتمام خاص بينهم.
كما أنه من غير المتوقع أن تسمح النواة الصلبة للسلطة بالحد الأدنى من المنافسة في الانتخابات المقبلة، أو أن تصبح أجواء الانتخابات أكثر انفتاحًا مما كانت عليه في عام 2021، حتى أنه من الوارد أن يصبح تنظيم الانتخابات صوريا على غرار ما حدث بعد مقتل محمد علي رجائي في اختيار المرشحين في انتخابات الدورة الرئاسية الثالثة.
ومن غير المرجح أن يجد الإصلاحيون والمعتدلون فرصة للظهور. وبدلاً من التعبير عن السعادة بتعاطفهم الحالي مع رئيسي، فإن النواة الصلبة للسلطة ستظهر سجلات تعاملاتهم السابقة، وستنفخ في أتون عداء ولاية الفقيه لهم.
لكن عنق الزجاجة الرئيسي للنظام في الفترة الانتقالية هو القضايا التنفيذية.
وإلى أن يتم إجراء انتخابات جديدة وتشكيل الحكومة الرابعة عشرة، فإن السلطة التنفيذية معلقة فعليا. ونظراً للتحديات المختلفة التي تواجهها البلاد وأزمات النظام، فقد تصبح هذه القضية عاملاً مزعزعاً للاستقرار.
لذلك، قال خامنئي، في أول رد فعل له، إن غياب رئيسي لن يسبب تعطيلاً لمؤسسات الحكم والأنشطة الحكومية!
في الواقع، يحاول خامنئي إدارة عواقب وفاة رئيسي غير المتوقعة، وآثارها الصادمة على تراجع الثقة في المستقبل بين كوادر النظام الحاليين، حتى يمكن إدارة الانتقال من الحكومة الثالثة عشرة إلى الفترة المقبلة بهدوء.
ويظهر نمط سلوك خامنئي في السنوات الماضية أنه سيتم تعيين خلف محتمل لرئيسي خلف الكواليس وقبل التصويت، لكن اختيار هذا الشخص وإعداد كتلة السلطة لقبوله على المدى القصير، في ظل الارتباك الذي ظهر في المعسكر الأصولي في الانتخابات البرلمانية الثانية عشرة، ليست بالمهمة السهلة، رغم عدم وجود صعوبة كبيرة في تكريس الخيار المنشود.
ومن خلال تأجيج الأجواء العاطفية و"استشهاد" رئيسي، سيحاول النظام وضع شخص منه على رأس السلطة التنفيذية، من حيث المواقف والولاء والطاعة الخالصة لخامنئي.
كما يمكن لتدخل خامنئي أن يرمم الفوضى التي نشأت في صفوف الأصوليين في الأفق الزمني للانتخابات المبكرة، بشكل مؤقت وسلطوي.
كان الناتج الدائم لرئيسي، الذي أثار أداؤه الضعيف العديد من الاحتجاجات داخل القاعدة الاجتماعية للأصوليين، هو جعل الرئاسة بلا معنى وخفض رتبتها إلى المساعد التنفيذي للمرشد الأعلى. ويبدو أن هذا الإرث سيستمر في إطار التطورات السياسية والخطابية داخل النظام.
لكن وفاة رئيسي، سواء كان الخيار المفضل لخلافة خامنئي أم لا، يعزز موقع البديل لنجل المرشد الإيراني مجتبى خامنئي.
إن خيارات خلافة خامنئي محدودة، ونظراً لعمر خامنئي واحتمال وفاته في السنوات المقبلة، فإن تربية شخص معتدل وترقيته في فترة عدة سنوات مهمة مستحيلة، إلا إذا تجاوز عمر خامنئي تسعين عاماً.
في هذه الحالة، يتم النظر في الخيارات المتاحة. وبالإضافة إلى من يعتبر مجتبى خامنئي يتمتع بالصفات والخصائص اللازمة ويعتبرونه الخيار "الأفضل"، فسيكون هناك أيضا من يقدمه على أنه الخيار الحتمي، ويدافعون عن خلافته باعتباره الخيار الوحيد المتاح.
وبطبيعة الحال، بما أن خامنئي أرسل هذا العام ابنه الأكبر مصطفى إلى ضريح الإمام الرضا في مشهد نيابة عنه في بداية العام، فمن المحتمل أنه هو المرشح الرئيسي الذي وجد الآن وضعًا أفضل في غياب رئيسي.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنه لا تزال هناك عقبات في نظام الجمهورية الإسلامية أمام توريث ولاية الفقيه، لكن خروج إبراهيم رئيسي من المسرح قلل من حدتها وقوتها، على الأقل نسبيا.
وهناك عقبة خطيرة أمام خلافة أبناء خامنئي، وهم رجال دين مثل غلام حسين محسني إيجه إي في صفوف كبار المسؤولين الحاليين في النظام، الذين يشكل افتقارهم إلى السيادة (من سلالة النبي) نقطة ضعفهم، لكنها لا تشكل رادعاً للخلافة.
وإذا لم تصبح ولاية الفقيه وراثية، أو لم يحز أصحاب العمائم البيضاء منصب ولي الفقيه الثالث، أو لم يحدث وضع استثنائي حيث يستعيد حسن الخميني منصب جده، فمن الممكن أن يصبح أحد أصحاب العمائم السوداء من قوى النظام المعتدلة مرشدا رمزياً مثل الخلفاء من بني العباس منذ منتصف حكمهم إلى آخره، والذين كانت تيارات مؤثرة خلفهم تسيطر على مصادر السلطة الرئيسية.
والآن لا يمكن التكهن بشكل قاطع بهذا الأمر، ولكن يمكن القول بدرجة شبه عالية من اليقين إنه بعد وفاة رئيسي، أصبح توريث ولاية الفقيه أكثر جدية من ذي قبل.