تحطمت مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأحد 19 مايو (أيار)، وبعد حوالي 17 ساعة تم الإعلان عن مقتله ومرافقيه، بمن فيهم وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، مما طرح الكثير من التساؤلات لدى الرأي العام أهمها.. ماذا سيحدث الآن بعد وفاة رئيسي؟
في نظام الجمهورية الإسلامية، لم يكن إبراهيم رئيسي الشخص الأول الذي لم يكمل ولايته الأولى كرئيس. فقبله لم يكمل أبو الحسن بني صدر الولاية الأولى للرئاسة بسبب الإقالة والهزيمة على يد الفصيل المنافس (22 يونيو/حزيران 1981)، ومحمد علي رجائي الذي قتل في تفجير نسب إلى منظمة مجاهدي خلق (30 أغسطس/آب 1981).
وباستثناء هؤلاء الثلاثة، أكمل جميع الرؤساء الستة الآخرين فترتين متتاليتين.
وتعتبر خسارة ثلاثة رؤساء خلال 45 عاماً رقماً مرتفعاً مقارنة بالعديد من الدول، وهو مؤشر على عدم الاستقرار المزمن، خاصة بالنظر إلى طريقة مواجهته وعواقبه.
وفقا لدستور النظام الإيراني، فإن طريق العمل واضح وقد تم اتباعه مرتين، على الرغم من أنه بسبب التغيير في أحكام المادتين 130 و131 من الدستور خلال تعديلات عام 1989، فإنه ستكون هناك اختلافات هذه المرة في التنفيذ.
تنص المادة 131 من الدستور الإيراني على ما يلي: "في حالة وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة ولاية الرئيس وعدم انتخاب رئيس جديد بسبب عوائق أو غير ذلك من الأمور، يتولى المساعد الأول للرئيس، بموافقة المرشد، صلاحياته ومسؤولياته، ويقوم مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية والمساعد الأول للرئيس باتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوماً".
وفي حالة وفاة المساعد الأول أو غيرها من الأمور التي تمنعه من أداء مهامه، وأيضاً إذا لم يكن للرئيس مساعد أول، يقوم المرشد بتعيين شخص آخر بدلاً منه".
لكن المشكلة هي أن القضية لن تكون بهذه البساطة، وقد مضى وقت طويل في الجمهورية الإسلامية لم تعد تسير فيه الأمور وفق نفس الدستور.
لا شك أن وفاة إبراهيم رئيسي تخلق اضطراباً كبيراً في النظام. وما إذا كان هذا الاضطراب سوف ينعكس في المجتمع فهذه نقطة أخرى سأناقشها في النهاية.
تؤكد الأحداث التاريخية في إيران أن من هم في السلطة يزيحون منافسيهم إذا لزم الأمر. وبحسب رأي البعض، فإن كلاً من رئيسي ومجتبى خامنئي (نجل المرشد الإيراني) كانا آخر المرشحين الرئيسيين لخلافة المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن وفاته تغذي النظريات حول إمكانية التخلص منه، وبالنظر إلى تاريخ النظام الإيراني في إزاحة المنافسين، سيكون من الصعب على الحكام إنكار هذه الفرضية.
ولكن إذا كانت وفاة رئيسي حدثا غير متوقع، فيمكن أن تؤدي إلى عواقب مختلفة، ليست مواتية للغاية لنظام ولاية الفقيه.
بعد الانتخابات الرئاسية (عام 2021) وانتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة (2024) اللتين أجريتا بمقاطعة- غير مسبوقة- من الإيرانيين وأدنى نسبة مشاركة، فإن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يشكل مشكلة وتحدياً مفاجئا للنظام الحاكم.
وفي ظل هذه المقاطعة فإن محاولة إقناع المواطنين بالتصويت ليس بالأمر السهل بالنسبة للنخبة الحاكمة في النظام الإيراني، لكنه ضروري- في الوقت نفسه- لإظهار أن النظام لا يزال يتمتع بالشرعية في نظر الشعب.
ليس هناك شك في أن هذا الصراع على السلطة، لاسيما على منصب الرئاسة سيكون أكثر حدة. ويمكن لهذه المنافسة الشرسة أن تخلق مساحة لأولئك الذين تم استبعادهم، بل وربما ستعطي قوة جديدة للحركة الاحتجاجية في الداخل.
إن وفاة إبراهيم رئيسي وحدها لا تزيد من قوة المهمشين والمستبعدين من قبل نظام المرشد، لكنها يمكن أن تخلق الحركة فيهم، وتجعلهم يسعون للمطالبة بحصة من السلطة مرة أخرى، ومحاولة فتح مجال للتنفس، ولعب دور في الحكم.
وسيحاولون السير في هذا الاتجاه من خلال التحدث إلى الرأي العام، ومن خلال تسليط الضوء على الصراعات الداخلية للطبقة الحاكمة.
ومن المرجح دائمًا أن تؤدي الأحداث غير المتوقعة إلى نتائج غير متوقعة.
إن النهج الذي يتبعه قادة النظام الإيراني فيما بينهم للاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها يجعل جميع الخيارات مطروحة دائمًا على الطاولة: من الاحتيال إلى الحبس إلى التصفية الجسدية.
ولديهم بالطبع كل الخيارات على الطاولة في مواجهة الشعب وأولئك الذين يحتجون على السلطة؛ من التقييد إلى القمع والسجن والقتل.
إن وفاة إبراهيم رئيسي، في حد ذاتها، لا تحدث تغييرا كبيرا في هذا الوضع، لكنها توفر بيئة مواتية للغاية يمكنها أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة.