أصبح مسعود بزشكيان، الرئيس التاسع لإيران، بدعم من الإصلاحيين، وأصبح لزامًا الآن مواجهة إرث الرئيس الراحل "إبراهيم رئيسي"، المُثقل بالأزمات والمشاكل، وعليه أن يتعامل مع قضية الوقود، التي لا بد له من رفع أسعاره.
وكذلك سيكون مجبرًا على التعامل مع ترامب في حال فوزه المحتمل بالانتخابات الأميركية المقبلة.
وكان وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، يستند في ظهوره الإعلامي أمام وسائل الإعلام الغربية، إلى نسبة المشاركة العالية في الانتخابات، ويعتبر ذلك دليلًا على مشروعية النظام وصحة قراراته، لكن هذه المرة لن يكون وزير الخارجية القادم لإيران باستطاعته اللعب بورقة مشاركة 70 بالمائة، بعد أن قاطع أكثرية الشعب الإيراني العملية الانتخابية.
وسنشير فيما يلي إلى قائمة الهزائم التي ستحل بالتيار الإصلاحي في إيران، بعد فوز مرشحه، مسعود بزشكيان، في توقيت صعب وظروف معقدة بالنسبة للنظام على الصعيدين الداخلي والخارجي:
الهزيمة الأولى: فقدان ورقة نسبة المشاركة بـ 70 بالمائة
أجرى النظام الإيراني، منذ وصول علي خامنئي لمنصب المرشد حتى الآن، 10 انتخابات رئاسية، ومن هذه الانتخابات العشرة، ظهر ستة رؤساء.
ومن بين هؤلاء الرؤساء الستة، كان منهم اثنان مدعومان من الإصلاحيين: محمد خاتمي وحسن روحاني.
وفاز خاتمي في الانتخابات بنسبة مشاركة 79.9 و66.7 بالمائة في الفترتين الأولى والثانية من رئاسته على التوالي، وفاز حسن روحاني بنسبتي مشاركة 72.9 و73.3 بالمائة في فترتين رئاسيتين.
والآن فاز بزشكيان، الرئيس الثالث الذي يدعمه الإصلاحيون، بالانتخابات، والتي حتى لو قبلنا الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية، دون النظر إلى الشكوك الجدية حول صحتها، فإن "رئيسي" سيكون الرئيس الأقل أصواتًا، ليس بين الإصلاحيين فحسب، وإنما بين جميع الرؤساء الإيرانيين، منذ 45 عاماً بنسبة مشاركة 49.8 بالمائة.
وعلى الرغم من أن الانتخابات امتدت لجولة ثانية، إلا أن بزشكيان هو المرشح الوحيد الذي حصل على 26.7 بالمائة من إجمالي الناخبين المؤهلين، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
ورغم انتخاب "رئيسي" في الجولة الأولى لانتخابات عام 2021، فإنه بحسب الإحصائيات الرسمية، انتُخب بنسبة 30.4 بالمائة من مجموع الناخبين، الذين يحق لهم التصويت.
وطالما كان يتباهى الإصلاحيون بارتفاع نسبة المشاركة والاستدلال بها كدليل على دعم الشعب للنظام ومشروعيته، ولكن بعد الانتخابات الأخيرة ونسبة مشاركة متدنية يمكن القول إن الإصلاحيين فقدوا ورقة نسبة المشاركة العالية.
الهزيمة الثانية: الوقود وباقي الأزمات
تتضاعف الأزمات، التي تعيشها إيران، وهذه الأزمات كلها لا تزال حاضرة، وعلى الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، التعامل معها، ومن هذه الأزمات أزمة الاتفاق النووي وعراقيل إحيائه وأزمة مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تصنف إيران في قوائمها السوداء، وأزمة المتقاعدين، التي شهدت في السنوات الثلاث الأخيرة، تفاقمًا كبيرًا، ما دفع بآلاف المتقاعدين إلى التظاهر والاحتجاج المستمر.
وقبل فوز "بزشكيان" بالانتخابات الرئاسية، وعد رئيس حملته الانتخابية، علي عبد العلي زاده، برفع أسعار الوقود ليصل إلى 50 ألف تومان (حالياً 3 آلاف تومان)، وهي قضية مقلقة بالنسبة للنظام؛ كونها قد تكون سبباً في انفجار الأوضاع، كما حدث في السنوات القليلة الماضية؛ حيث فجّر قرار السلطات في عهد حكومة روحاني مظاهرات عارمة في جميع أنحاء إيران، راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين برصاص الأمن الإيراني.
وإذا لم يتمكن بزشكيان من تحسين وضع مبيعات النفط، فإن الضرائب ستكون المصدر الرئيس للتمويل الحكومي، ورغم وعده بزيادة حد الإعفاء الضريبي، فإنه لا يبدو أن هذا الوعد يمكن تنفيذه، دون زيادة مبيعات النفط.
أما بالنسبة لقضية "الحجاب الإجباري" و"شرطة الأخلاق"، فإن "بزشكيان" والمقربين منه يدركون أن القرار النهائي حول هذا الملف ليس من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، وإنما تديره مؤسسات أخرى يشرف عليها المرشد الإيراني، علي خامنئي.
الهزيمة الثالثة: حرق ورقة إسقاط النظام
اعتمد بعض الإصلاحيين في عهد حكومة "رئيسي"، خلال السنوات الثلاث الأخيرة خطابًا يتغزل بدعاة إسقاط النظام ويتقرب إليهم، وانضمت شريحة منهم إلى دعاة إسقاط النظام، بعد أحداث مقتل الشابة الإيرانية، مهسا أميني، عام 2022، لكنهم الآن صوتوا لصالح "بزشكيان"، وشاركوا في صياغة المشهد الحالي.
كما انهم ابتعدوا نسبيًا عن الجمهورية الإسلامية بعد احتجاجات عام 2017، لكنهم اليوم يعودون إلى أحضان النظام، ويقبلون بقواعد اللعبة التي يرعاها نظام ولي الفقيه.
والآن أصبح منتقدو سياسات خامنئي سببًا في إنقاذه من خلال زيادة نسبة المشاركة التي تقل عن 40 بالمائة في الجولة الأولى، إلى ما يقارب من 50 بالمائة في الجولة الثانية.
وربما لن ينسى مقاطعو الانتخابات هذه بسهولة، الدور الذي لعبه الإصلاحيون في تسخين الأحداث.
كما سيتحمل الإصلاحيون تبعات سياسات "بزشكيان" ومواقفه، وقد سبق له أن أقر بشكل صريح بأنه "يذوب حبًا في ولاية الفقيه"، وأنه مستعد لارتداء ملابس الحرس الثوري للدفاع عن هذه المؤسسة العسكرية.
وبعد دعم محمد خاتمي ومهدي كروبي لـ "بزشكيان"، لم يعد بإمكان الإصلاحيين أن يضعوا أنفسهم بجانب دعاة إسقاط النظام، فعلى الرغم من المكاسب الصغيرة التي سيحصلون عليها، كتولي بعض المناصب هنا وهناك، فإنهم وعلى المدى البعيد سيتحملون هزائم كبيرة.