عززت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الفاشلة، فرصه في الفوز بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024؛ وقبل أربعة أشهر من انتخابات الرئاسة الأميركية، أيقنت السلطات الإيرانية تقريبًا بعودته. ومع تلك الإمكانية القوية ما الذي ينتظر النظام الإيراني؟
كان ترامب رئيسًا للولايات المتحدة من شتاء 2018 إلى شتاء 2020. وفي الوقت نفسه كان الإصلاحيون في إيران على رأس السلطة، برئاسة حسن روحاني.
وفي تلك الفترة، كان الإصلاحيون في ذروة السلطة، بالتعاون مع "كوادر البناء" والمعتدلين (تيار هاشمي رفسنجاني)، وتمكنوا من نقل قيادة المفاوضات النووية، التي كانت في المجلس الأعلى للأمن القومي، وتحت إشراف المرشد علي خامنئي، حتى رئاسة محمود أحمدي نجاد لإيران، إلى وزارة الخارجية.
وفي حكومة حسن روحاني، نجح مثلث محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، وعباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين في محادثات فيينا، وعلي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية ووزير الخارجية الأسبق أيضًا، في إنهاء التوتر النووي القديم للنظام الإيراني من خلال الاتفاق النووي.
كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وانسحب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، وعلى الرغم من أن الأوروبيين مازالوا ملتزمين بالاتفاق، فإن فرض عقوبات جديدة والسعي إلى ممارسة أقصى ضغط من قِبل الولايات المتحدة أدى عمليًا إلى دخول الاتفاق في غيبوبة.
ولسوء حظ الإصلاحيين، بعد ذلك انتشر فيروس كورونا (كوفيد- 19) في هذه الفترة، أي من عام 2018 إلى عام 2021، وشهد الوضع الاقتصادي في إيران أزمة غير مسبوقة، والتي كانت لها عواقب سياسية واجتماعية؛ وكان أبرز مثال على هذه التبعات هو الاحتجاجات الواسعة النطاق التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
معدلات عالية من التضخم
بلغ معدل التضخم في نهاية عام 2017 نحو 9.6 في المائة، وفي نهاية عام 2018، وهو العام الأول الذي انسحب فيه ترامب من الاتفاق النووي، وصل معدل التضخم إلى 26.9 في المائة. وفي عام 2019، بلغ معدل التضخم 34.8 في المائة؛ وفي هذا العام قامت حكومة حسن روحاني برفع سعر البنزين ثلاث مرات، وبلغت نسبة التضخم في العام الأخير لحكومة روحاني، أي 2020، 36.4 في المائة.
وفي نهاية العام الإيراني الماضي (انتهي في 20 مارس/ آذار 2024)، بلغ معدل التضخم في إيران 52.3 في المائة، بحسب البنك المركزي.
وإذا تكررت العملية نفسها مع عودة ترامب، فإن معدل التضخم في نهاية العام الإيراني الحالي (مارس 2025) سيرتفع إلى 69.6 في المائة بزيادة 17.3 نقطة مئوية، وفي (مارس 2026) سيصل إلى 77.5 في المائة بزيادة 7.9 نقطة مئوية، وفي (مارس 2027) سيصل إلى 79.1 في المائة.
وبطبيعة الحال، إذا فقدت العملة الإيرانية قوتها في هذا الوضع، وإذا توقف بيع النفط الإيراني، فإن التضخم المفرط ليس مستبعدًا.
سعر الدولار يرتفع لمستويات قياسية
بلغ سعر الدولار خلال مارس 2018 في السوق الحرة نحو 4 آلاف و800 تومان، وفي مارس 2019، وصل إلى 12.9 ألف تومان، وفي مارس 2020، تم تداول الدولار بنحو 15.4 ألف تومان، وفي مارس 2021، تم تداوله بـ 25.2 ألف تومان تقريبًا.
وإذا تكررت النسبة نفسها بعد وصول ترامب، فمن المتوقع أن يصل الدولار إلى نحو 154 ألفًا، في مارس 2025، وفي مارس 2026 إلى 184 ألفًا تقريبًا، وفي مارس 2027 سيصل إلى نحو 301 ألف تومان.
تذبذب مبيعات النفط
تعتمد إيران على عائدات النفط، وقبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، في عام 2017، باعت إيران متوسط 2.14 مليون برميل من النفط يوميًا. وفي عام 2018 انخفض الرقم إلى 1.54 مليون برميل يوميًا. وكان عام 2019 من أسوأ الأعوام التي مرت بها إيران؛ حيث انخفضت مبيعات النفط إلى 420 ألف برميل يوميًا. وفي عام 2020، وبالتزامن مع نهاية إدارة ترامب الأولى وبداية رئاسة بايدن، تضاعفت مبيعات النفط الإيرانية إلى 900 ألف برميل يوميًا.
وقد نُشرت أرقام متناقضة لصادرات إيران من النفط، ولكن في المتوسط تمكنت إيران، عام 2023، من بيع 1.4 مليون برميل من النفط يوميًا. وإذا تكررت ظروف 2018 إلى 2021 مرة أخرى، ستبلغ مبيعات إيران من النفط هذا العام نحو مليون و270 ألف برميل يوميًا عام 2025، و587 ألف برميل يوميًا عام 2026.
ما الذي تغيّر؟
كان من الممكن أن تؤدي عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة بالتزامن مع حكومة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، إلى خلق وضع مضطرب، لكن وفاة "رئيسي" في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، وانتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا للجمهورية الإسلامية قد فتح بصيص أمل للنظام الإيراني.
وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن نجد ظريف نفسه مشغولًا بترتيب الحكومة المقبلة، في حين نشهد مسلسل حضور بزشكيان في فرق العزاء (بمناسبة عاشوراء)، وعلى الرغم من أن ظريف كان له دور في التعامل مع الغرب خلال فترة حكم روحاني، فإن الأوضاع اليوم تختلف تمامًا عما كانت عليه في ذلك الوقت.
وخلال إدارة ترامب الأولى، لم يؤثر انتشار "كورونا" على إيران فحسب، بل على جميع دول العالم؛ اليوم لا يوجد المزيد من الأخبار عن "كورونا". لكن حدث شيء آخر: "هجمات 7 أكتوبر" وعملية "الوعد الصادق".
ففي 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنت حماس هجومًا غير مسبوق على إسرائيل، وبعد نحو ستة أشهر، هاجمت إيران إسرائيل لأول مرة من داخل إيران في 13 إبريل (نيسان) 2024.
وسيواجه الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، هذا الوضع الصعب والمعقد، ورغم أن بزشكيان اعترف بأن اسمه خرج من صناديق الاقتراع فائزًا بمنصب الرئاسة بمساعدة المرشد، على خامنئي، فإنه ليس حسن روحاني، الشيخ الدبلوماسي، الذي كان يتمتع بخبرة سنوات في منصب أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي والمفاوضات.
وليس فقط ترامب، لكن هناك جي دي فانس، الذي اختاره ترامب لمنصب النائب الأول لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، وشخصيات مشهورة في الحزب الجمهوري، تحدثوا صراحة عن الحاجة إلى التعامل بشكل أكثر حزمًا مع النظام الإيراني. ولكن أيضًا، كما قال عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في حكومة جو بايدن- على الأقل بالكلام- إنهم تبنّوا موقفًا أكثر تصلبًا تجاه النظام الحاكم في إيران.
إن مجمل هذه الظروف، والاحتمال المتزايد لاصطفاف أوروبا مع ترامب إذا فاز في الانتخابات، سيجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للنظام الإيراني مما كان عليه، عندما كان جو بايدن في البيت الأبيض، والذي حاول التوصل إلى اتفاق مع طهران من خلال تقديم تنازلات، بما في ذلك غض الطرف عن صادرات وبيع النفط الإيراني، أو الإفراج عن الموارد المالية الإيرانية المُجمدة.