تشهد إيران انقسامًا حادًا بين السياسيين حول رفض البلاد الامتثال للوائح المالية الدولية، التي تفرضها "مجموعة العمل المالي" (FATF)، والتي أدرجت إيران على قائمتها السوداء.
وقد زاد المتشددون من معارضتهم الانضمام إلى هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الدولية، بعد ثماني سنوات من مناشدة المنظمة الدولية لإيران بالامتثال لقواعدها.
يأتي هذا الصراع الداخلي في وقت تواجه فيه إيران تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك العقوبات، والتضخم، والاستياء الشعبي الواسع، مما يضيف ضغوطًا على إدارة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان؛ حيث يتطلب الانضمام إلى "مجموعة العمل المالي" (FATF)، التزام طهران بالقواعد العالمية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب متطلبات أخرى.
ولا تزال إيران عاجزة عن تلبية متطلبات (FATF) للخروج من القائمة السوداء، مما يؤدي إلى استمرار عزلتها عن الأنظمة المالية الدولية. ومع ذلك، يرى التيار المتشدد، المتغلغل في هيكل السلطة الإيرانية، أن الامتثال للمنظمة الدولية يمثل تهديدًا لنفوذ إيران الإقليمي، خاصة في ظل دعمها المالي والعسكري لجماعات مثل حزب الله وحماس، التي تعتبرها طهران أدوات أساسية لبسط نفوذها العسكري في المنطقة.
وأفصح أبو الفضل أبو ترابي، عضو البرلمان الإيراني، عن موقفه الرافض لـ"FATF"، في تصريح أدلى به هذا الأسبوع، واصفًا المنظمة بأنها "أداة وسلاح بيد العدو للضغط علينا لإجبارنا على تسليم بياناتنا لهم".
وتعكس تصريحات أبو ترابي الشكوك العميقة، التي يحملها العديد من السياسيين الإيرانيين تجاه المؤسسات الدولية؛ حيث يخشون أن يؤدي الامتثال لمعايير (FATF) إلى تقويض قدرة إيران على الاحتفاظ بتحالفاتها الإقليمية، والتي تعتبرها طهران جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الدفاعية والإقليمية.
وتعد "اتفاقية باليرمو"، واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في هذا النقاش، وهي التي تتطلب من الدول الأعضاء مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ويتذرع أبو ترابي والمعارضون الآخرون بأن الانضمام إلى هذه الاتفاقية سيؤدي إلى تصنيف جماعات، مثل حزب الله وحماس كـ"منظمات إرهابية"، وهو ما يرون أنه سيقيّد قدرة إيران على دعم ما يسمونه "حركات التحرر".
وقال أبو ترابي محذرًا: "إذا انضممنا إلى اتفاقية باليرمو، فنحن نقطع أذرعنا القوية"، مما يعكس اعتقاد هؤلاء المتشددين بأن الامتثال لـ (FATF) سيضعف دور إيران في المنطقة.
مواجهة التحديات الداخلية للرئيس الجديد
يشكل الخلاف الداخلي بشأن (FATF) تحديًا كبيرًا للرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الذي انتُخب بناءً على وعود بإصلاح اقتصادي. وبعد انتخابات رئاسية شهدت تدنيًا في نسبة المشاركة، وازدياد الاستياء الشعبي من النظام السياسي، حقق بزشكيان النصر بعد تعهداته بتحسين الأوضاع الاقتصادية، في ظل أسوأ أزمة منذ 1979. لكن الوفاء بهذه الوعود أصبح مهمة شاقة، خصوصًا مع استمرار التوترات الإقليمية المتزايدة، خاصة مع إسرائيل، مما يعقد الوضع بشكل أكبر.
وعارضت وسائل الإعلام المتشددة، مثل صحيفة "كيهان"، الانضمام إلى (FATF)؛ حيث صوّرت النقاش باعتباره مسألة تتعلق بالأمن القومي، وكتبت الصحيفة في افتتاحية حديثة لها: "نحن وسط حرب"، وزعمت أن الانضمام إلى تلك المنظمة الدولية سيقيّد قدرة إيران على دعم حزب الله والجماعات الأخرى.
واتهمت "كيهان" مؤيدي (FATF) بأنهم "لا يدركون خطورة الموقف"، مؤكدة أن الانضمام إلى المنظمة يعادل التخلي عن القدرات الاستراتيجية لإيران.
وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي، بقيت إيران على القائمة السوداء لـ (FATF)، بعد اجتماع عُقد في سنغافورة، مما يعني أن طهران ستظل خاضعة لمزيد من التدقيق والقيود من قِبل المؤسسات المالية الدولية، إلى جانب العقوبات المصرفية، التي فرضتها الولايات المتحدة.
وأوضح توبي ديرشويتز، المدير الإداري لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن البقاء على القائمة السوداء لـ (FATF) يحمل "تبعات حقيقية"، مما يعيق الاستثمار الأجنبي ويعقد العلاقات التجارية. وقال: "يرسل رسالة إلى النظام المالي العالمي بأكمله بأن القيام بأعمال تجارية مع إيران غير آمن".
ومع ذلك، لا يعتقد الجميع أن الخروج من القائمة السوداء سيحل مشكلات إيران؛ فقد ذكرت وسائل الإعلام المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني، على منصة "X"، أن جهود الحكومة للخروج من القائمة السوداء لن تؤدي إلى تحسينات في التجارة الخارجية بسبب "العقوبات القمعية"- حسب الصحيفة- التي لا تزال قائمة. كما أكدت أن على إيران التركيز على الإنتاج الوطني وتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة والمنظمات الاقتصادية الإقليمية بدلاً من ذلك.
وأضاف المنشور: "إن التركيز على الإنتاج الوطني والتعاون الاقتصادي الإقليمي له أولوية أكبر". ومع ذلك، فإن سياسة العزلة أدت إلى تفاقم أزمة الاقتصاد الإيراني.
وتواجه إدارة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، مزيدًا من الضغوط بشأن الانضمام إلى "مجموعة العمل المالي"(FATF) . وبحسب ما أفاد مهدي قدسي، الخبير الاقتصادي في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، فإن الامتثال لـ (FATF) قد يساعد في تطبيع العلاقات التجارية، وتقليل اعتماد إيران على مبيعات النفط في السوق السوداء.
وأشار قدسي إلى أن إيران تواصل بيع النفط عبر وسطاء في دول مثل ماليزيا، ولكن الأرباح الناتجة عن هذه المبيعات تفيد بشكل رئيس مجموعة صغيرة من المسؤولين الحكوميين، بينما يتحمل المواطنون الإيرانيون العاديون عواقب العزلة الدولية.
وقال قدسي لـ"إيران إنترناشيونال": "هؤلاء الأشخاص ليسوا جزءًا من الحكومة، إنهم جهاز مالي خفي لا يهتم به أحد"، مشيرًا إلى أنهم يستفيدون بشكل كبير من الحكومة، وفي الوقت ذاته يفيدون أنفسهم.